الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح العقيدة الواسطية **
في كرامة الأولياء ومن أصول أهل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأولياء (1) .............. (1) كرامات الأولياء مسألة هامة ينبغي أن يعرف الحق فيها من الباطل، هل هي حقيقة ثابتة، أو هي من باب التخيلات؟ فبين المؤلف رحمه الله قول أهل السنة فيها بقوله: · " ومن أصول أهل السنة والجماعة : التصديق بكرامات الأولياء". · فمن هم الأولياء؟ والجواب: أن الله بينهم بقوله: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " من كان مؤمناً تقياً، كان الله ولياً " . ليست الولاية بالدعوي والتمني، الولاية إنما هي بالإيمان والتقوي، فلو رأينا رجلاً يقول: إنه ولي ولكنه غير متق لله تعالي، فقوله مردود عليه. · أما الكرامات، فهي جمع كرامة، والكرامة أمر خارق للعادة، يجريه الله تعالي علي يد ولي، تأييداً له، أو إعانة، أو تثبيتاً، أو نصراً للدين. - فالرجل الذي أحيا الله تعالي له فرسه، وهو صلة بن أشيم، بعد أن ماتت، حتي وصل إلي أهله، فلما وصل إلي أهله ، قال لابنه : ألق السرج عن الفرس، فإنها عربة! فلما ألقي السرج عنها، سقطتت ميتة. فهذه كرامة لهذا الرجل إعانة له. - أما التي لنصرة الإسلام، فمثل الذي جري للعلاء بن الحضرمي رضي الله عنه في عبور ماء البحر، وكما جري لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في عبور نهر دجلة، وقصتها مشهورة في التاريخ. فالكرامة أمر خارق للعادة. أما ما كان على وفق العادة، فليس بكرامة. · وهذا الأمر إنما يجربه الله علي يد ولي، احترازاً من أمور السحر والشعوذة، فإنها أمور خارقة للعادة، لكنها تجري على يد غير أولياء الله، بل على يد أعداء الله، فلا تكون هذه كرامة. · وقد كثرت هذه الكرامات التي تدعي أنها كرامات في هؤلاء المشعوذين الذين يصدون عن سبيل الله ، فالواجب الحذر منهم ومن تلاعبهم بعقول الناس وأفكارهم. · فالكرامة ثابتة بالقرآن والسنة، والواقع سابقاً ولاحقاً. - فمن الكرامات الثابتة بالقرآن والسنة لمن سبق قصة أصحاب الكهف، الذين عاشوا في قوم مشركين، وهم قد آمنوا بالله، وخافوا أن يغلبوا على آمرهم، فخرجوا من القرية مهاجرين إلي الله عز وجل، فيسر الله لهم غاراً في جبل، وجه هذا الغار إلي الشمال، فلا تدخل الشمس عليهم فتفسد أبدانهم ولا يحرمون منها، إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين، وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال، وهم في فجوه منه، وبقوا في هذا الكهف ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعاً، وهم نائمون، يقلبهم الله ذات اليمن وذات الشمال، في الصيف وفي الشتاء، لم يزعجهم الحر، ولم يؤلمهم البرد، ما جاعوا وما عطشوا وما ملوا من النوم. فهذه كرامة بلا شك، بقوا هكذا حتي بعثهم الله وقد زال الشرك عن هذه القرية، فسلموا منه. - ومن ذلك قصة مريم رضي الله عنها، أكرمها الله حيث أجاءها المخاض إلي جذع النخلة، وأمرها الله أن تهز بجذعها لتتساقط عليها رطباً جنياً. - ومن ذلك قصة الرجل الذي أماته الله مئة عام ثم بعثة، كرامة له، ليتبين له قدرة الله تعالي، ويزداد ثباتاً في إيمانه. - أما في السنة ، فالكرامات كثيرة، وراجع ( كتاب الإنبياء، باب ما ذكر عن بن إسرائيل) في " صحيح البخاري"، وكتاب " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان " لشيخ الإسلام ابن تيمية. - وأما شهادة الواقع بثبوت الكرامات، فظاهر، يعلم به المرء في عصره، إما بالمشاهدة، وإما بالأخبار الصادقة. فمذهب أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء. · وهناك مذهب مخالف لمذهب أهل السنة، وهو مذهب المعتزلة ومن تبعهم، حيث إنهم ينكرون الكرامات، ويقولون: إنك لو أثبت الكرامات، لاشتبه الساحر بالولي بالنبي، لأن كل واحد منهم يأتي بخارق. فيقال: لا يمكن الالتباس، لأن الكرامة على يد ولي، والولي لا يمكن أن يدعي النبوة، ولو ادعاها، لم يكن ولياً. آية النبي تكون على يد نبي، والشعوذة والسحر على يد عدو بعيد من ولاية الله، وتكون بفعله باستعانته بالشياطين، فينالها بكسبه، بخلاف الكرامة، فهي من الله تعالي، لا يطلبها الولي يكسبه. · قال العلماء: كل كرامة لولي، في آية للنبي الذي اتبعه، لأن الكرامة شهادة من الله عز وجل أن طريق هذا الولي طريق صحيح. وعلي هذا، ما جري من الكرامات للأولياء من هذه الأمة فإنها آيات لرسول الله صلى الله عليه وسلم . · ولهذا قال بعض العلماء: ما من آية لنبي من الأنبياء السابقين، إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم مثلها. - فأورد عليهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يلق في النار فيخرج حياً، كما حصل ذلك لإبراهيم. فأجيب بأنه جري ذلك لأتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، كما ذكره المؤرخون عن أبي مسلم الخولاني، وإذا أكرم أتباع الرسول عليه الصلاة والسلام بجنس هذا لأمر الخارق للعادة، دل ذلك على أن دين النبي صلى الله عليه وسلم حق ، لأنه مؤيد بجنس هذه الآية التي حصلت لإبراهيم. وأورد عليهم أن البحر لم يفلق للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقد فلق لموسى! فأجيب بأنه حصل لهذه الأمة فيما يتعلق في البحر شىء أعظم مما حصل لموسي، وهو المشي على الماء، كما في قصة العلاء بن الحضرمي، حيث مشوا على ظهر الماء، وهذا أعظم مما حصل لموسي، مشي على أرض يابسة. وأورد عليهم أن من آيات عيسي إحياء الموتي، ولم يقع ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فأجيب بأنه حصل وقع لأتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، كما في قصة الرجل الذي مات حماره في أثناء الطريق، فدعا الله تعالي أن يحييه، فأحياه الله تعالي. وأورد عليهم إبراء الأكمة والأبرص. فأجيب بأنه حصل من النبي صلى الله عليه وسلم أن قتادة بن النعمان لما جرح في أحد، ندرت عينه حتي صارت على خده، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذها بيده، ووضعها في مكانها، فصارت أحسن عينيه. فهذه من أعظم الآيات. فالآيات التي كانت للأنبياء السابقين كان م ن جنسها للنبي صلى الله عليه وسلم أو لأمته، ومن أراد المزيد من ذلك، فليرجع إلي كتاب " البداية والنهاية في التاريخ" لابن كثير. تنبيه: الكرامات، قلنا: إنها تكون تأييدا أو تثبيتاً إو إعانة للشخص أو نصراً للحق، ولهذا كانت الكرامات في التابعين أكثر منها في الصحابة، لأن الصحابة عندهم من التثبيت والتأييد والنصر ما يستغنون به عن الكرامات فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان بين أظهرهم، وأما التابعون، فإنهم دون ذلك، ولذلك كثرت الكرامات في زمنهم تأييداً لهم وتثبيتاً ونصراً للحق الذي هم عليه.
وما يجري على أيديهم من خوارق العادات (1) ....................... " خوارق ": جمع خارق. · و " العادات ": جمع عادة. والمراد بـ " خوارق العادات" : ما يأتي على خلاف العادة الكونية. · وهذه الكرامات لها أربع دلالات: أولاً: بيان كمال قدره الله عز وجل، حيث حصل هذا الخارق للعادة بأمر الله. ثانياً: تكذيب القائلين بأن الطبيعة هي التي تفعل، لأنه لو كانت الطبيعة هي التي تفعل، لكانت الطبيعة على نسق واحد لا يتغير، فإذا تغيرت العادات والطبيعة، دل على أن للكون مدبراً وخالقاً. ثالثا: أنها آية للنبي المتبوع كما أسلفنا قريباً. رابعاً: أن فيها تثبيتاً وكرامة لهذا الولي. (1) يعني : أن الكرامة تنقسم إلي قسمي: قسم يتعلق بالعلوم والمكاشفات، وقسم آخر يتعلق بالقدرة والتأثيرت. - أما العلوم، فأن يحصل للإنسان من العلوم ما لا يحصل لغيره. - وأما المكاشفات، فأن يظهر له من الأشياء التي يكشف له عنها ما لا يحصل لغيره. - مثال الأول - العلوم : ما ذكر عن أبي بكر: أن الله أطلعه على ما في بطن زوجته الحمل، أعلمه الله أنه أنثى (1) - ومثال الثاني- المكاشفات - : ما حصل لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث كان يخطب الناس يوم الجمعة على المنبر، فسمعوه يقول: يا سارية ! الجبل ! فتعجبوا من هذا الكلام، ثم سألوه عن ذلك ؟ فقال : إنه كشف له عن سارية بن زنيم وهو أحد قواده في العراق ، وأنه محصور من عدوه، فوجهه إلي الجبل، وقال له: يا سارية ! الجبل! فسمع سارية صوت عمر، وانحاز إلي الجبل، وتحصن به (2) هذه من أمور المكاشفات، لأنه أمر واقع، لكنه بعيد. - أما القدرة والتأثيرات، فمثل ما وقع لمرين من هزما لجذع النخل وتساقط الرطب عليها، ومثل ما وقع للذي عنده علم من الكتاب، حيث قال لسليمان: أنا آتيك به قبل أن يريد إليك طرفك. كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة (1) وهي موجودة فيها إلي يوم القيامة (2)............... (1) الكرامات موجودة فيما سبق من الأمم، ومنها قصة أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة (3) يقول شيخ الإسلام في كتاب " الفرقان " : " وهذا باب واسع، قد بسط الكلام على كرامات الأولياء في غير هذا الموضع، وأما ما نعرفه نحن عياناً ونعرفه في هذا الزمان، فكثير". (2) الدليل على أنها موجودة إلي يوم القيامة: سمعي وعقلي: - أما السمعي، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر في قصة الدجال أنه : فهذه أي: عدم تمكن الدجال من قتل ذلك الشاب من الكرامات بلا شك. - وأما العقلي، فيقال: ما دام سبب الكرامة هي الولاية، فالولاية لا تزال موجودة إلي قيام الساعة (7)
|